الجزء الثاني
لكي يكون الاعتماد على الجماهير حقيقيا وليس شكليا، فان اعضاء الحركة الثورية مطالبون بالعمل في صفوف الجماهير لرفع قدراتها وكفاءاتها السياسية والعسكرية، حتى تستطيع ان تسترشد في نضالها اليومي بالخط السياسي والخط التنظيمي والخط العسكري للحركة..
ان التنظيم الثوري لا يستطيع ان يستقطب كل افراد الشعب، ولذلك فانه يعمد الى انشاء التنظيمات الجماهيرية، التي تربط بين افرادها طبيعة المهنة أو السن أو النو ع، مما يجعل لها نضالات مطلبية مشتركة. والمنظمات الجماهيرية تشكل مدخلا للتعبئة السياسية والعسكرية لقطاعات واسعة من الشعب. فالعمال والطلاب والمعلمون.. والشبيبة والفلاحون.. الخ.. لا ينتظمون معا في مرحلة التحرر الوطني من اجل مطالب نقابية محضة، وانما من اجل مبادرات الجماهير الفعالة في كافة المجالات النضالية...
ان طبيعة المهمات التي يمكن للمنظمات الجماهيرية القيام بها هي من حيث النوع والكم، مهمات لا تستطيع الثورة ان تحققها بدونها. فالمنظمات الجماهيرية والمؤسسات الشعبية تشكل الركيزة والرابطة للحركات الثورية، الى جانب الركائز التنظيمية والعسكرية والادارية.
واعضاء الحركة الثورية في المنظمات الجماهيرية يتحملون العبء الاكبر في الثورة، حيث انهم يرفدون التنظيم والقوات والميليشيا والمكاتب الحركية بالطاقات والقدرات الخلاقة. وهم الذين يلتحمون بصورة اكثر فعالية مع كافة الجماهير، حيث انهم يعايشون الجماهير يوميا، وهم المطالبون بحل مشاكلهم وتحقيق مطالبهم، الى جانب انهم القيادة المحركة للجماهير، والتي تتحمل جزءاً كبيرا من مهمة التعبئة السياسية والتنظيمية والعسكرية للجماهير..
ان تعبئة الجماهير كقاعدة من قواعد السلوك الثوري، تفرض على اعضاء الحركة الثورية ان يعيشوا مع الجماهير ويعايشوها في كافة افراحها واتراحها، وان يبنوا بينهم وبين الجماهير جسرا من الثقة المطلقة، حتى يصبح افراد الشعب آذانا صاغية لهم، وبذلك تسهل مهمة التعبئة الجماهيرية ويصبح مردودها اكثر ايجابية وفاعلية.
4. الثقة بالجماهير:
ثقة هذه الطليعة في نفوس الجماهير، ولكن الجماهير، بحاستها المرهفة لا تعطي ثقتها هكذا لكل من اطلق شعارا أو رصاصة. فالجماهير تدرك ان طريق الخلاص لا يأتي الا عن طريقها... الا اذا قامت هي بتحرير نفسها بنفسها بمساعدة الطلائع، التي هي من بين صفوف الجماهير والتي تتميز بانها الاكثر وعيا والاكثر ايمانا بحتمية النصر والاكثر استعدادا للتضحية...
ان هذه الصفات في الطليعة هي اساس لكي تكتسب ثقة الجماهير. والطلائع بهذه الصفات، تعمق دائما ثقتها بالجماهير وبقدراتها على العطاء وبامكاناتها اللامتناهية، حيث ان الطلائع، التي تدرك انها بحرب الشعب، تصنع النصر، تثق بقدرة الشعب على التحرك، وعلى صناعة النصر.
ويصبح مفهوم السلاح في حربها ضد العدو هو الانسان... العنصر البشري القادر على التصدي لكل التفوقات التكنولوجية والمادية والتعبوية لاعدائه. ان فقدان الثقة بالجماهير وبقدراتها وبامكانياتها، تجعل الافراد في مواقع المسؤولية يشعرون بالعزلة وبالضعف وبعدم القدرة على الاستمرار وانجاز مهمات مرحلة التحرر الوطني. وهذا الشعور يدفع القادة الى الاستسلام لشروط العدو، والاكتفاء باقل منجزات.. والتحول الى اداة قمع للجماهير للمحافظة على مواقعهم.
ان اعداء الحركة الثورية يحاولون بشتى الاساليب نزع ثقة الجماهير من قيادتها، لكي تأخذ هذه القيادات موقفا مشابها من الجماهير، فتنعزل الطلائع عن الشعب. والاعداء باساليبهم المختلفة وشائعاتهم المغرضة وادعاءاتهم الكاذبة، انما يدركون، ان الثقة المتبادلة بين الشعب وطلائعه، هي ضمانة التحام لصفوف واستمرار الثورة..
ولذلك، فان مهمة تعميق الثقة المتبادلة بين الطلائع والجماهير، يجب ان تأخذ اهتماما خاصا من الطلائع، حيث ان عليهم ان يمنحوا الجماهير ثقتهم المطلقة بقدراتها وبامكاناتها، ليس بالالفاظ وانما بالممارسات، التي تتجسد بالعمل الحقيقي على تنظيم وتسليح هذه الجماهير وتكليفها بالمهمات النضالية المختلفة، حتى تتعمق في صفوف الجماهير ثقتها بنفسها وبقياداتها.
5. حب الجماهير:
ان قانون المحبة الذي يربط بين اعضاء الحركة الواحدة يظل جزئي التأثير، حتى تتحول هذه المحبة في قلوب الاعضاء لبعضهم بعضا الى محبة شاملة للجماهير... فاعضاء الحركة الثورية، الذين يضحون بارواحهم في سبيل مصلحة الجماهير واهدافها وطموحاتها، لا يجوز لهم التواني عن تعميق روح المحبة بينهم وبين الجماهير، حتى يضمنوا محبة الجماهير لهم... وعطفها عليهم ودعمها لهم في معترك النضال الوعر.
فمحبة الجماهير قاعدة من قواعد السلوك الثوري، وليست لفظا في قصيدة أو جملة في خطاب.. انها تعبر عن ذاتها بالممارسة، التي تشعر الجماهير بها، ان اعضاء الحركة الطليعية يضعون بالممارسة جماهير شعبهم في قلوبهم...
فالعضو في الحركة الثورية حين تتعارض راحته مع راحة الجماهير يتنازل عن راحته في سبيل راحة الجماهير، وعندما يلعب مع الاطفال يجعلهم يشعرون بالعطف والحنان الابوي، الذي قد لا يجدونه عند آبائهم وامهاتهم.. والنساء والمسنين عندما يعاملهم عضو الحركة الثورية، يشعرون انهم مع اخ أو ابن يحرص على راحتهم ويغمرهم بالحب والاحترام والعطاء..
انه بالممارسة فقط تنمو المحبة في قلوب الثوار للجماهير، وفي قلوب الجماهير للثوار، ويتميز بذلك الثوار عن اعداء الجماهير، الذين يقتلون الاطفال ويغتصبون النساء ويسيئون للمسنين ويذلون الشعب باسره.
ان عضو الحركة، الذي يمارس فعلا على اساس قاعدة المحبة للجماهير تنقي ذاته من كل الامراض، التي تتعارض مع هذه القاعدة فالمحبة للجماهير تقتل الانانية. والغرور والتعالي... والتباهي والذاتية والفردية والعجرفة. وتزرع الى جانب محبة الجماهير الحقد على اعدائها الذين يسيئون لها، فيصبح المناضل جياشا بالحب للوطن والاهل والهدف.. متوقدا بالحقد على كل من تسول له نفسه الاساءة للوطن والاهل أو يقف عقبة في سبيل تحقيق الهدف...
ان حب الجماهير يتناسب طرديا مع كره العدو.. والاستعداد الدائم للنضال.. فكلما تعمقت محبة الجماهير كلما اصبحت دوافع التضحية اقوى.. والايمان بحتمية النصر أكبر والطريق الى النصر أوضح، وبالمحبة تتقوى الحركة الثورية وتلتحم ذاتها بالجماهير لتصنع الثورة.. والنصر.
6. التعلم من الجماهير وتعليمها:
ان الفرد بخبراته الذاتية ومدى اطلاعه النظري مهما عظما، فانه يظل الى جانب الخبرات المكدسة للملايين من جماهير الشعب في حاجة الى التعلم. ولا يستطيع الفرد ان يتمثل حكمة الشعب ومنابع قدراته وابداعه، الا بالتعايش الدائم والدائب، وبالصلة التي لا تنفصم مع الجماهير.
فالتجارب الجماهيرية المكدسة والمبعثرة، والتي يستوعب منها افراد الشعب بدرجات متفاوتة عندما تصبح في متناول عضو الحركة الثورية، الذي يمتلك المنهج العلمي السليم في المعرفة، فانه يستطيع ان يستوعب ما تبعثر من هذه التجارب والافكار ومعطياتها، ويعيد ترتيبها وصياغتها، بحيث تصبح اكثر تماسكا ووضوحا عندما يقوم بتعليمها للجماهير..
ان التعلم من الجماهير وخبراتها، ونتائج ممارستها العفوية، تعطي المادة الخام للثائر ليصوغ منها الافكار ودليل العمل اليومي لممارسة الجماهير، مما يجعل نتائج هذه الممارسة اكثر فعالية وايجابية. ولكي يصل العضو الثوري الى درجة القدرة على تعليم الجماهير من نتائج افكارها وعقليتها وآرائها، وكيفية التعامل معها وتفهيمها بشكل عام.
ان هذا التفهم للجماهير لا يتم من خلال الاطلاع النظري على التقارير والاستمارات والاحصائيات، وانما من خلال التماس المباشر، حيث يستطيع الثائر ان يتحسس بذاته الصدق من الزيف. والحق من الضلال.. والتجربة الحقيقة من التجربة الزائفة.
ولكي يقوم الثائر بالانتقاء الفكري الذي يتناسب مع طموحات الجماهير من جهة، ومع خطوط الحركة الثورية من جهة اخرى، فان عليه ان يقوم بالنقاشات والحوارات الدائمة مع جموع من الجماهير، والاستماع الى مختلف الاراء حول القضايا المعنية، حتى تصبح القناعات متوافقة، وبذلك يكون العضو قد قام بعمليتي التعلم والتعليم في آن واحد.
ان مرحلة التحرر الوطني، التي تعتمد حرب الشعب كأسلوب اساسي لتحقيق النصر، تعتمد على قدرات الشعب الابداعية في مجال حربه ضد عدوه..
ان بعض القوانين العامة لحرب الشعب، هي التي يمكن ان لا تكون معروفة لدى الجماهير.. اما القوانين الخاصة لحرب الشعب، فان الطليعة تستنتجها وتتعلمها دائما من خلال الممارسات اليومية النضالية للجماهير، ومن ابداعها المستمر لخلق الوسائل المختلفة لقتال العدو، ضمن حدود منهجية حرب الشعب وهذا الابداع الذي يكرسه انطلاق مبادرات الجماهير في حربها ضد عدوها، يجعل قوانين الحرب الخاصة في حالة من التطور الدائم، والتي تستطيع الطلائع الثورية تعلمها أولاً، ثم تعليمها للجماهير ثانياً، ومن ثم رفع الكفاءة النضالية لكل فئات الشعب.
ان على عضو الحركة الثورية ان يكون دائما متحفزا للتعلم من الجماهير بقدر ما يكون مستعدا لتعليمها.. وهذه قاعدة للمسلكية الثورية تجعل العضو دائم الاستنفار للعطاء الثوري.
7. الالتحام بالجماهير:
ان فعالية الطلائع الثورية تعتمد على مدى قدرتها على التلاحم مع الجماهير كحركة وكأفراد. لانه مهما كانت النظرية الثورية سليمة، فان حالة الانفصام بين حامليها ومنفذيها (الجماهير) تحولها الى حبر على ورق..
ولهذا فان أولى مهمات الطلائع الثورية بعد استنباطها الأولي للنظرية، هي تنمية التنظيم الثوري من اجل مزيد من الاحتكاك والتماس مع الجماهير الشعبية. وكلما ازدادت الانجازات الثورية، كلما توجب ان يزداد التلاحم بين الطليعة والجماهير..
ان بعض الافراد في الحركات الثورية ينظرون الى ذاتهم نظرة استعلاء على الجماهير، ولا يربطون مصيرهم ولا يرون ان مصير الجماهير مربوط بمصيرهم.
هذه العقلية الانفصالية لا يمكن لها ان تقود الجماهير الى النصر.
ولهذا فانه يجب ان تكرس المسلكية الثورية، التي تدفع باستمرار الى مزيد من التلاحم بين الطلائع الثورية والجماهير.. والتي تؤكد دائماً، مزيداً من التلاحم في مراحل الانتصارات ومراحل الانتكاسات، حتى تصبح الجماهير هي الثورة.. وهي التي تتحمل اعباء المسيرة بايجابياتها وسلبياتها، مما يجعل الطلائع قادرة على تقييم تجاربها والاستفادة من الاخطاء، وليس الهرب منها والقاء تبعتها على الجماهير.
ان الجماهير لا تلتحم بالحركة الثورية الا عن وعي، بان ما تهدف الحركة لتحقيقه، هو ما تهدف الجماهير اليه.. ان تطابق الطموح الحركي والجماهيري، هو الرباط الصلب، الذي يجعل الجماهير والطليعة ينظران الى الامور نظرة واحدة، ما دامت كل منها تشعر في قرارة نفسها ان الاهداف والتطلعات لكليهما واحدة.
وان هذه النظرة هي التي تعطي دفعا من القوة في نفوس الطليعة.. وفي نفوس الجماهير تحولها الى قدرة خارقة لا تقهر وتفجر فيها منابع الابداع الجماهيري المتدفق..
وان أي مسلكية تتنافى مع تأكيد التحام الحركة الثورية بالجماهير هي مسلكية منافية لقواعد السلوك الثوري، ويجب على الاعضاء نقدها ومحاربتها.